كان يا مكان في قديم الزمان في سالف العصر والأوان، كانت الفتاة لا تخرج من بيت أبيها إلاّ برفقة أمّها لقضاء حاجة ضرورية وكانت لا تكلم السائل إلاّ من وراء الباب ولا تعرف من جنس الذكور إلاّ محارمها، وعندما يسألها أبوها عن رجل تقدم لخطبتها تحمّر وجنتاها وتطأطأ رأسها ليفهم هو أنّ كريمته موافقة.. هذا في أحسن الأحوال أي إن لم يعلمها بموعد الزواج دون حول أو قوة منها. لذلك كانت عندما يتعلق فؤادها بشخص تكتم مشاعرها حتي لا يفطن إليها أحد... فالأمر محظور وغريب وحذار كل الحذر إن قادها سوء الطالع لينكشف سرها حتى برّفة عين.
لكن اليوم تغيرت تركيبة المجتمع وكذلك قناعاته ومبادئه فأصبح الأمر عاديا في عيون الجميع. ومع ذلك مازال السؤال ملحا "هل يقبل الأب أن يكون لابنته صديق؟" سؤال طرحته الراية علي مجموعة من الآباء فكانت الإجابات مختلفة بين المتحررة حينا والمتشددة الرافضة حينا آخر.
أقبل ولكن: السيد الهادي يقول:" بالرغم من استقراري في العاصمة منذ أكثر من ثلاثين سنة إلاّ أنّ عقلية أهل الجنوب المعروفة بتشددها مازالت تحكمني ولا أستطيع أن أتخلي عنها حتي لو نعتني الآخرون بالتخلف. هذه عاداتنا وتقاليدنا التي تربينا عليها وليس من السهل أن نتنكر لها".
ويضيف قائلا بكل حماسة:"العلاقات تختلف باختلاف الإطار الذي توجد فيه ونظرا لتغير المجتمع أصبح الاختلاط ضروريا بين البنات والأولاد لذلك فاني أتقبل أن تكون لابنتي علاقة طيبة مع زملائها في الدارسة أو في العمل لكن شريطة أن لا تخرج عن إطارها. وإن تطورت العلاقة بين الطرفين فيجب أن تكون في إطار العائلة دوما ودون أن تتخطي الحدود. فمهما بلغ بنا التطور والمدنية فإننا لا ننسي جذورنا وتربيتنا الريفية التي تحترز كثيرا من إقامة أي نوع من العلاقة بين الذكر والأنثي حتي إن كانا من نفس العائلة أحيانا."
صداقة أرفضها تماما
بدوره يقول السيد حمادي: لدي بنات وبنين وقد سعيت رغم إمكانياتي المتواضعة إلي تربيتهن أحسن تربية وذلك علي أساس الأخلاق الحميدة والعادات المتأصلة فينا والتي لا يمكن التخلي عنها مهما تغير نسق الحياة.لذلك لم احرم بنتا من بناتي من الدراسة أو من العمل لكن هناك أشياء لا يمكن قبولها.. فأنا لم أترب علي هذا النوع من الصداقات حتي أربي بناتي عليه.."
ويواصل السيد حمادي حديثه مستغربا:" التلفزيون والمسلسلات الأجنبية والكليبات هي سبب كل آفة في هذا المجتمع فهي المسؤول الأول عن هذا الكلام الذي لم نسمع به في زمننا. والله لو أسمع في يوم ما أن لإحدي بناتي صديق فإني سوف أمنعها الخروج من البيت نهائيا. أراها علاقة غير مشروعة فقط وقع تجميلها ووضعها تحت اسم الصداقة لكني لا اقبل بالمرة الصداقة بين الجنسين فالعلاقات عندي مصنفة وفقا للمعيار الاجتماعي الذي تربينا عليه فأبي لم تكن له صديقة وأنا كذلك وما هذه التعلات إلا خرافات قد جلبت للمجتمع آفات يجب التصدي لها بكل حزم في سبيل الأخلاق الأصيلة التي تميزنا عن غيرنا ."
ابنتي حرة وأنا أحترم قناعاتها
من جانبه يقول السيد عبد الله وهو رجل أعمال يقطن في إحدي الضواحي الراقية للعاصمة:" عندي بنتان، إحداهما تزوجت والثانية تدرس بفرنسا واعرف أن لها صديقا هناك وقد زارتنا منذ مدة بصحبة صديقها.
ما يجعلني مطمئنا أن ابنتي لم تخفي عني شيئا وأري من التزمت والتعصب أن أفرض عليها شكلا من العلاقات يختلف عن الزمن الذي تعيشه. لذلك أري أن علاقتها بصديقها أمر عادي سواء انتهت بالزواج أم لا. أعتقد أن ابنتي حرة في اتخاذ قراراتها وهي راشدة وتعرف جيدا ما يناسبها. وهذا لا يؤثر علي علاقتي بها فأنا انصحها وأوجهها لكني احترم قرارها النهائي ومن ثمة من حقها أن تكون لها الأصدقاء الذين تشاء."
السيد كمال يقول بدوره: "الأمر أصبح عاديا و لا يحتاج إلي كلّ هذا الجدل والنقاش الذي نستمع إليه عند الكثيرين.. فكل شيء قد تغير من حولنا بفعل تغير نمط الحياة فلماذا لا نغير عقلياتنا؟؟؟ المسألة عندي عادية جدا فالذكور والإناث صاروا اليوم معا في العمل وفي المدرسة وفي الكلية وحتي في ملاعب الكرة وقد ذهب عصر جميل بثينة وعنترة ابن شداد وقيس وليلي وكل ممنوعات ذلك العصر الآن كل شيء واضح.. وعلاقة الصداقة بين الشاب والفتاة باتت عادية جدا."
ابنتي ترفض هذا النوع من العلاقات
يقول السيد رضا: منذ أن كبرت ابنتي صرت أتقرب منها وأتحدث إليها برفق وصدق وقد كنت أشجعها علي الخروج إلي المجتمع والتعرف علي كل فئاته وأصنافه حتي تكون متوازنة اجتماعيا ونفسانيا لكن موقفها كان صارما في هذه المسألة فهي ترفض بوضوح أي نوع من العلاقات مع الشبان مع العلم أنها اجتماعية ومرحة وتتحدث بطلاقة مع كل زملائها وزميلاتها وأساتذتها.. لكن عندما ينتهي وقت الدرس لا شيء يشغل تفكيرها إلا العودة إلى المنزل بأسرع ما يمكن من الوقت وأنا أحترم آراءها ومواقفها- (الراية).
المهم أن أكون على علم بالعلاقة
السيد علي يقول: "إن تغير نمط العيش يجعل من صداقة الفتاة بالشاب أمرا عاديا وضروريا بحكم الاختلاط والزمالة سواء في الدراسة أو في العمل. لذلك فإنه من المهم الاعتراف بهذه العلاقات وعدم إنكارها لأنها موجودة.. بل يجب علينا كأولياء تأطير أبنائنا وإحاطتهم حتى نكون علي علم بكل شئ يخصهم.
وهو الأسلوب الذي اعتمده شخصيا مع ابنتي فأنا دائما أحاول محاورتها ومراعاة خصوصية سنها وهو ما شجعها علي أن تكشف لي كل ما تخفيه وقد باحت لي بمشاعرها تجاه أحد زملائها في الدراسة فطلبت منها أن تدعو صديقها إلي المنزل كي يراجعا معا فوجدت انه علي خلق طيب.لقد فعلت كل هذا لأني مؤمن بان العلاقة العلنية أفضل بكثير من العلاقة السرية وعندما أكون علي علم بها فان ذلك أحسن من أن يتم كل شيء في الخفاء والله وحده اعلم بما يمكن أن يحصل".
اما السيد ذياب فيري أنّ خير الأمور أوسطها فلا افراط ولا تفريط في كل شيء من أمور الحياة. وفي هذا الصدد يقول: " اعرف جيدا أنّ لابنتي صديقا هو في الأصل زميل دراسة وأيضا أصيل جهتنا أنا ارتاح له لأني أري دوما انه يراعي أصوله ويحافظ عليها ولا يفكر في الإساءة إليها أو استغلالها بأي شكل، لذلك فإني لا أعارض أن يكون لابنتي صديق إن كان هذا الشخص ينوي حقا الزواج بها في مرحلة لاحقة فمن حقهما أن يتعرفا في البداية علي بعضهما البعض حتي يتقدم لخطبتها في مرحلة موالية. لذلك احرص علي الاعتدال وقد تحدثت مع ابنتي وصديقها في الموضوع تفاديا لأي إشكال يمكن أن يحدث